مع اقتراب إطلالة شهر رمضان المبارك بتفاصيله الكثيرة،و التي تبدأ من التجهيز لهذا الشهر المعظم بالمواد الغذائية إلى العادات والتقاليد والموروثات الرمضانية التي أبت التراجع و التي تبدو تفاصيلها واضحة في الشارع الجزائري ، الذي يرسم مشهدا رمضانيا ينعكس أثره على المحلات وعربات بيع الأغذية والحلويات والعصائر، والتغييرات التي قد تشهدها بعض المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في تغيير وقت العمل وإنقاصه ساعة، وغير ذلك من تفاصيل حياتية تحدث مرة واحدة في السنة ولمدة شهر واحد وهو شهر رمضان الكريم ،والذي يتطلع إليه الجزائري بتفاؤل كبير بأن يكون رمضان الخير و البركات... الأسواق الجزائرية شهدت حركة ملحوظة في بيع المواد الاستهلاكية الخاصة بهذا الشهر المبارك؛ ولأن الكرم طبع في الجزائريين فهم لن يتنازلوا عن عاداتهم وتقاليدهم الرمضانية كالاستعداد له بالتسوق، واقتناء أنواع المواد التي تدخل في تحضير الأكلات والتي تتوسط المائدة الرمضانية خلال ثلاثين يوما. المشاهير الجزائرية تجولت في أسواق العاصمة والتقت عددا من المواطنين الذين عبروا عما يجول في نفوسهم بسبب ارتفاع أسعار عدد من السلع والخوف من فقدان بعضها خاصة المواد التموينية.
بين مطرقة الحفاظ على العادات و سندان الاسعار الملتهبة
الجزائريون يرفعون شعار "كل واحد يمشي على قيسو"
عند تجوالنا في أحد أسواق بيع الخضر و الفواكه بالعاصمة،و الذي كان يشهد حالة من الاكتظاظ والازدحام، قابلنا السيد محمد الذي وجدناه يسأل عن سعر الزبيب و البرقوق المجفف (العينة) و يقارن ثمنها بنظيرتها في سوق آخر، سألناه عن أجواء التحضير لرمضان فقال وعلامات الحسرة واضحة على تقاسيم وجهه أنه ومن المفروض أن يكون: "شهر رمضان، شهر الخير والبركات شهر الصبر، الشهر الذي تتجسد فيه المحبة والألفة، إلا أن الأجواء التي تحيط بالمواطن الجزائري وتحاصره من كل جهة تغيرت بحق و الدليل على ذلك غلاء المواد الغذائية مثل اللحوم البيضاء ( الدجاج ) التي وصل سعر الكيلوغرام منها إلى 390 دينار جزائري ، و العينة التي بلغ ثمنها 500 دينار جزائري ... بزاف والله غير بزاف". أما سعاد التي رأيناها مترددة في شراء بعض الخضر لتحفظها في الثلاجة لوقت الحاجة فقالت أنها فيما يخص اقتناء الخضر و الفواكه فهي تفضل العربات و الشاحنات التي تنتشر في الشوارع ، و التي باتت توفر للمواطن احتياجاته الغذائية بأسعار تراها أقل من الثمن الذي قد نجده في الأسواق ، و أضافت أنه من طبع الجزائريين تزيين مائدة الإفطار بكل ما لذ و طاب، لكن الأسعار تحول دون ذلك. ورغم تزايد الأسعار المستمر - تقول السيدة فاطمة - الذي تعودنا عليه مع اقتراب هذا الشهر الفضيل إلا أن الأسر الجزائرية تحرص على شراء بعض المواد التي يعتبرونها أساسية وسيدة الإفطار خلال الشهر المعظم، كالتمر الذي يعد وجوده ضرورة وعادة صحية واجتماعية خلال أيام رمضان، و كذا المشمش والزبيب باعتبار أن المائدة الرمضانية لا تخلو من اللحم الحلو... "ولكن كل واحد يمشي على قيسو"أما السيدة سليمة التي وجدناها منهمكة في اختيار التوابل التي ستشكل بها (راس الحانوت) فقالت أنها بدأت بشراء البهارات التي تحتاجها وأنواع المواد الغذائية المجففة مثل الفريك الذي يدخل في تحضير الشوربة وكذا اللوز لصنع الحلويات الرمضانية التي تتميز بها السهرات الجزائرية.
التجار و البائعون:
"حاولنا توفير كل مستلزمات الشهر الفضيل، والأسواق تشهد حركة شراء مقبولة جدا"
عبد الله (بائع مواد غذائية) حدثنا عن حركة التسوق فقال أن المواطنين يحاولون الحفاظ على عادات وتقاليد العائلة الجزائرية بالتجهيز بمواد غذائية متعارف على وجودها في المطبخ الجزائري، و هي عادة ما تلاقي إقبالا في الشهر الفضيل بالذات كالفواكه المجففة، الديول... وعموما يضيف عبد الله: "أصبح المواطن الجزائري دائم التخوف من ارتفاع أسعار المواد الغذائية ولكن الله غالب كل شيء زاد و لهذا بات يتردد في التجهيز قبل دخول هذا الشهر الكريم، خوفا من انخفاض الأسعار". أما سيد علي (بائع مواد غذائية) الذي وجدناه يرتب السلع بشكل يجذب الزبائن فقال أنه و الحمد لله "قمنا بتوفير كافة أنواع المواد الغذائية التي يحتاجها المواطن خلال شهر رمضان الكريم، و المواطنون يقبلون على اقتناء مستلزماتهم بشكل مقبول جدا، ولكن منهم من لا يزال ينتظر؛ لتوقعه أن الأسعار ستنخفض أو على الأقل ستستقر في الأيام القادمة. هذا و بيّن سليم (بائع) أن هناك إقبالا على شراء مكونات المواد الغذائية والتوابل والبهارات موضحا أن هذا الإقبال أحدث انتعاشا في الأسواق، فيما لم تتضح بعض الزيادات في الأسعار لبعض المواد الاستهلاكية مشيرا إلى أن شهر رمضان يعتبر أفضل أيام السنة بالنسبة لعمل التجار حيث حاجة الناس لمستلزمات الشهر الفضيل وبكميات كبيرة؛ تنعش حالة الركود التجاري الذي يمر به التجار على مدار العام. ونحن نجول في عدد من محلات بيع اللحوم البيضاء و الحمراء بدا واضحا أن أسعار اللحوم ثابتة إلى حد ما عند جميع القصابات، و لدى اقترابنا من عمي علي ( صاحب قصابة) قال أنه لا داعي لتخزين اللحوم و الدواجن لتوفرها في أسواق الجملة ومحلات التجزئة، مشيرا إلى أن هناك ارتفاعا في أسعار بعض اللحوم نتيجة الطلب عليها وبخاصة لحوم الدواجن الطازجة. و أرجع مراد (عامل في أحد محلات بيع اللحوم) أن الارتفاع؛ راجع إلى "زيادة أسعار العلف تارة وانقطاع التيار الكهربائي وارتفاع أجور النقل تارة أخرى" وعادة ما تكون هذه الأعذار الواهية مبررا للغلاء.
بين ارتفاع الأسعار واحتمال استقرارها، يبقى المواطن الجزائري في تردد دائم، فإما أن يلجأ اضطرارا لاقتناء مستلزمات الشهر الفضيل قبل دخوله، و إما أن ينتظر أياما أخرى عسى أن تحمل نسمات رمضان الرحمة، الخير و البركات.
.
نشر في:
هناك تعليقان (2):
موضوع قوي جدا
وفعلا في كل دولة الطقوس الخاصة بيها
واللي بتفرق في جو رمضان اول ما بيدخل
وانتي عرضك كان هايل بالنسبة لرمضان في الجزاير
فعلا ي محمد، لكل دولة عربية طقوسها و عاداتها في رمضان المعظم، إلا أن أوجه التشابه موجودة أيضا، و تتحد جميعها لترسم صورة رمضانية يزين أطرها التكافل و التسامح و حب اللع عز وجل و الحرص على عبادته.
محمد شكرا لروعة حرفك
إرسال تعليق