30 أغسطس 2009

أيام تفصلنا عن الشهر الفضيل

أيام تفصلنا عن الشهر الفضيل


أسعار مرتفعة ... إقبال متزايد و بضائع تعج بها الأسواق


مع اقتراب إطلالة شهر رمضان المبارك بتفاصيله الكثيرة،و التي تبدأ من التجهيز لهذا الشهر المعظم بالمواد الغذائية إلى العادات والتقاليد والموروثات الرمضانية التي أبت التراجع و التي تبدو تفاصيلها واضحة في الشارع الجزائري ، الذي يرسم مشهدا رمضانيا ينعكس أثره على المحلات وعربات بيع الأغذية والحلويات والعصائر، والتغييرات التي قد تشهدها بعض المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في تغيير وقت العمل وإنقاصه ساعة، وغير ذلك من تفاصيل حياتية تحدث مرة واحدة في السنة ولمدة شهر واحد وهو شهر رمضان الكريم ،والذي يتطلع إليه الجزائري بتفاؤل كبير بأن يكون رمضان الخير و البركات...  الأسواق الجزائرية شهدت حركة ملحوظة في بيع المواد الاستهلاكية الخاصة بهذا الشهر المبارك؛ ولأن الكرم طبع في الجزائريين فهم لن يتنازلوا عن عاداتهم وتقاليدهم الرمضانية كالاستعداد له بالتسوق، واقتناء أنواع المواد التي تدخل في تحضير الأكلات والتي تتوسط المائدة الرمضانية خلال ثلاثين يوما. المشاهير الجزائرية تجولت في أسواق العاصمة والتقت عددا من المواطنين الذين عبروا عما يجول في نفوسهم بسبب ارتفاع أسعار عدد من السلع والخوف من فقدان بعضها خاصة المواد التموينية.


بين مطرقة الحفاظ على العادات و سندان الاسعار الملتهبة

الجزائريون يرفعون شعار "كل واحد يمشي على قيسو"

عند تجوالنا في أحد أسواق بيع الخضر و الفواكه بالعاصمة،و الذي كان يشهد حالة من الاكتظاظ والازدحام، قابلنا السيد محمد الذي وجدناه يسأل عن سعر الزبيب و البرقوق المجفف (العينة) و يقارن ثمنها بنظيرتها في سوق آخر، سألناه عن أجواء التحضير لرمضان فقال وعلامات الحسرة واضحة على تقاسيم وجهه أنه ومن المفروض أن يكون: "شهر رمضان، شهر الخير والبركات شهر الصبر، الشهر الذي تتجسد فيه المحبة والألفة، إلا أن الأجواء التي تحيط بالمواطن الجزائري وتحاصره من كل جهة تغيرت بحق و الدليل على ذلك غلاء المواد الغذائية مثل اللحوم البيضاء ( الدجاج ) التي وصل سعر الكيلوغرام منها إلى 390 دينار جزائري ، و العينة التي بلغ ثمنها 500 دينار جزائري ... بزاف والله غير بزاف". أما سعاد التي رأيناها مترددة في شراء بعض الخضر لتحفظها في الثلاجة لوقت الحاجة فقالت أنها فيما يخص اقتناء الخضر و الفواكه فهي تفضل العربات و الشاحنات التي تنتشر في الشوارع ، و التي باتت توفر للمواطن احتياجاته الغذائية بأسعار تراها أقل من الثمن الذي قد نجده في الأسواق ، و أضافت أنه من طبع الجزائريين تزيين مائدة الإفطار بكل ما لذ و طاب، لكن الأسعار تحول دون ذلك. ورغم تزايد الأسعار المستمر - تقول السيدة فاطمة - الذي تعودنا عليه مع اقتراب هذا الشهر الفضيل إلا أن الأسر الجزائرية تحرص على شراء بعض المواد التي يعتبرونها أساسية وسيدة الإفطار خلال الشهر المعظم، كالتمر الذي يعد وجوده ضرورة وعادة صحية واجتماعية خلال أيام رمضان، و كذا المشمش والزبيب باعتبار أن المائدة الرمضانية لا تخلو من اللحم الحلو... "ولكن كل واحد يمشي على قيسو"أما السيدة سليمة التي وجدناها منهمكة في اختيار التوابل التي ستشكل بها (راس الحانوت) فقالت أنها بدأت بشراء البهارات التي تحتاجها وأنواع المواد الغذائية المجففة مثل الفريك الذي يدخل في تحضير الشوربة وكذا اللوز لصنع الحلويات الرمضانية التي تتميز بها السهرات الجزائرية.

التجار و البائعون:

"حاولنا توفير كل مستلزمات الشهر الفضيل، والأسواق تشهد حركة شراء مقبولة جدا"

عبد الله (بائع مواد غذائية) حدثنا عن حركة التسوق فقال أن المواطنين يحاولون الحفاظ على عادات وتقاليد العائلة الجزائرية بالتجهيز بمواد غذائية متعارف على وجودها في المطبخ الجزائري، و هي عادة ما تلاقي إقبالا في الشهر الفضيل بالذات كالفواكه المجففة، الديول... وعموما يضيف عبد الله: "أصبح المواطن الجزائري دائم التخوف من ارتفاع أسعار المواد الغذائية ولكن الله غالب كل شيء زاد و لهذا بات يتردد في التجهيز قبل دخول هذا الشهر الكريم، خوفا من انخفاض الأسعار". أما سيد علي (بائع مواد غذائية) الذي وجدناه يرتب السلع بشكل يجذب الزبائن فقال أنه و الحمد لله "قمنا بتوفير كافة أنواع المواد الغذائية التي يحتاجها المواطن خلال شهر رمضان الكريم، و المواطنون يقبلون على اقتناء مستلزماتهم بشكل مقبول جدا، ولكن منهم من لا يزال ينتظر؛ لتوقعه أن الأسعار ستنخفض أو على الأقل ستستقر في الأيام القادمة. هذا و بيّن سليم (بائع) أن هناك إقبالا على شراء مكونات المواد الغذائية والتوابل والبهارات موضحا أن هذا الإقبال أحدث انتعاشا في الأسواق، فيما لم تتضح بعض الزيادات في الأسعار لبعض المواد الاستهلاكية مشيرا إلى أن شهر رمضان يعتبر أفضل أيام السنة بالنسبة لعمل التجار حيث حاجة الناس لمستلزمات الشهر الفضيل وبكميات كبيرة؛ تنعش حالة الركود التجاري الذي يمر به التجار على مدار العام. ونحن نجول في عدد من محلات بيع اللحوم البيضاء و الحمراء بدا واضحا أن أسعار اللحوم ثابتة إلى حد ما عند جميع القصابات، و لدى اقترابنا من عمي علي ( صاحب قصابة) قال أنه لا داعي لتخزين اللحوم و الدواجن لتوفرها في أسواق الجملة ومحلات التجزئة، مشيرا إلى أن هناك ارتفاعا في أسعار بعض اللحوم نتيجة الطلب عليها وبخاصة لحوم الدواجن الطازجة. و أرجع مراد (عامل في أحد محلات بيع اللحوم) أن الارتفاع؛ راجع إلى "زيادة أسعار العلف تارة وانقطاع التيار الكهربائي وارتفاع أجور النقل تارة أخرى" وعادة ما تكون هذه الأعذار الواهية مبررا للغلاء.
بين ارتفاع الأسعار واحتمال استقرارها، يبقى المواطن الجزائري في تردد دائم، فإما أن يلجأ اضطرارا لاقتناء مستلزمات الشهر الفضيل قبل دخوله، و إما أن ينتظر أياما أخرى عسى أن تحمل نسمات رمضان الرحمة، الخير و البركات.

.

نشر في:

جريدة المشاهير الإلكترونية

13 أغسطس 2009

عندما يصبح تناولها إدمانا


عندما يصبح تناولها إدمانا
الوجبات السريعة تهدد الصحة و تنخر ميزانية الأسر


تنامي الطفرة الاقتصادية وتزايد عدد من يقضون الساعات الطوال في أعمالهم، وكذا وجود الأطفال والمراهقين بمفردهم في المنزل، وخروجاً من روتين الطعام الذي اعتادوا عليه، يُفضِّل العديد منهم اللجوء إلى الوجبات السريعة، بل ونجدهم يعرضون عن الأكل المنزلي، الغني بالفوائد أو على الأقل المضمون من حيث النظافة، و يلجأون لأكل ما لا فائدة ترجى منه.
.
وبالرغم من الدور الكبير الذي يلعبه الغذاء في توزان الجسم و مدّه بالطاقة اللازمة لاستكمال نشاطه إلا أن تناوله غير المنتظم و المتوازن يعرّض الجسم للعديد من الأمراض، فالسعرات الحرارية العالية وزيادة نسبة الكولسترول أهم ما يميزها، ضف إلى ذلك تفاوت أسعارها ما يؤثر سلبا على ميزانية الأسرة. وقد تتجاوز هذه الظاهرة حدودها في بعض العائلات، لتضفي جوا مفكّكا، فقد لا يجتمع أفرادها على وجبة طعام واحدة في اليوم، والسبب يعود لهذه الأماكن التي تلاقي إقبالا كبيرا خاصة من الأطفال والشباب، فالكل يطلب ما يشتهيه هناك ويشعر بالإستقلالية في اختيار ما يأكل.
.
الأطفال و الشباب !
الأكثر إقبالا على محلات "الفاست فود"

وعن سبب اللجوء لتناول الأكل خارج المنزل، قالت لمياء ﴿طالبة جامعية﴾، أنها و بحكم الدراسة أصبحت لا تجد حلا إلا بتناول أي شيء سريع في إحدى المحلات المخصصة لذلك وهي تتكاسل لجلب الأكل من البيت، مع أنها تدرك مضار ما تتناوله في محل "الفاست فود". أما رضوان ﴿طالب بكالوريا﴾ فيقول أنه يفضل تناول وجبة الغذاء مع زملائه في محل الوجبات السريعة مع أنها غالية الثمن وقليلة الفائدة، لكنه يرى أنه تعوّد على ذلك منذ وقت طويل، كما أنه يستمتع بالأكل مع رفاقه. وللأطفال أيضا رأيهم في الموضوع فعفاف البالغة من العمر عشر سنوات ترى بأن الوجبات المقدمة في المحلات والمطاعم جميلة الشكل ومنسقة ما يجعلها تلحّ على الأكل خارج المنزل. أما صديقتها وئام فتحبذ تناول كل أنواع السندويتشات المقدمة في المحلات وتقول أنها مدمنة على تناولها. وإذا كان رأي الشباب مؤيدا للأكل المقدم في محلات "الفاست فود" فالأمر مختلف بالنسبة للكبار الذين يرون أن ما يحضر في المنزل أنقى، أضمن وأفيد للجسم، مثلما كشفت لنا السيدة فاطمة ﴿ربة منزل﴾ والتي ترفض أن يتعود أبناؤها على الأكل خارج البيت، فهي ترى أن "تناول مثل هذه الوجبات على فترات متباعدة ممكن، لكن أن يكون أغلب طعامهم من المطـاعم، فهذا أمر مرفوض لأنه سيعود عليهم بالضرر الكبير". في حين تعترف السيدة مليكة ﴿عاملة بإحدى الشركات العمومية﴾ هي الأخرى بخطورة الوجلات السريعة حيث تقول أن "من أهم أسباب انتشار الأمراض السرطانية في عصرنا هو كثرة الاعتماد على هذا النوع من الأكل" وتضيف "مع ذلك لا أنكر أنني أعتمد عليه بشكل كبير، فأنا كسيدة عاملة دوامي يمتد إلى الساعة الرابعة مساءً، ليس لدي الوقت لتحضير الطعام بشكل يومي وأعود من عملي منهكة جدا وأسهل شيء بالنسبة لي هو أن نأكل أي شيء يحضر بسرعة ولا يستغرق مجهودا ووقتا ولهذا قد نأكل أطعمة معلبة أو نأتي بالأكل من الخارج وكلاهما فيه ضرر خطير فضلا عن استنزاف ميزانية الأسرة"
.
محلات الوجبات السريعة
"نسعى لتوفير الأجود والحفاظ على شروط النظافة"

هذا وعند اقترابنا من أحد محلات الوجبات السريعة بالعاصمة، والذي كان يعج بالزبائن من مختلف الأعمار، كشف لنا نونو ﴿صاحب المحل﴾ أنهم يحاولون بقدر الإمكان إرضاء زبائنهم وتقديم الأجود وذلك بالحفاظ الدائم على شروط النظافة. أما محمد الذي ورغم أن محله لا يبعد سوى بضع أمتار عن محل نونو إلا أن الاكتظاظ بالزبائن واحد، ويقول محمد ﴿صاحب المحل﴾ أن معظم زبائنهم من الطلبة وتلاميذ المدارس، بالإضافة إلى العاملين في الجوار، وكل هؤلاء مضطرون إلى الأكل خارج منازلهم، وهم يفضلون تناول وجبات سريعة مثل البرجر والسندوتشات، ونحن نحاول توفير ذلك لهم.
.
الوجبات السريعة والمعلبة تفتقر للتوازن الغذائي
ولأن للطب كلمته، فقد أشارت عدة دراسات وبحوث علمية لمدى تأثير هذه الوجبات على صحة الإنسان ،كما تُجمع على أن الوجبات السريعة من أشد أنواع الأطعمة خطراً على الجسم { كما تُعد من العوامل الرئيسة المسببة لأمراض القلب وتصلب الشرايين والسمنة والجلطات الدموية، بسبب ما تحتويه من قدر عالٍ من الدهون المشبعة والزيوت المحترقة...} ولعل أهم ما تفتقره هذه الوجبات هو التوازن الغذائي، إذ أن الغذاء المنزلي النظيف والمعد بطرق صحية وسليمة، يحتوي على كميات متساوية من البروتينات والدهون والنشويات والخضر ومنتجات الحليب، وهو ما يضمن غذاء متكاملا ومتوازنا، يُساعد على النمو بشكل صحي. هذا ويذهب علماء التغذية إلى أن ثلثي سكان العالم لا يحصلون على كفايتهم من السعرات الحرارية، كما يعانون من نقص البروتينات والفيتامينات والأملاح المعدنية سواء كان ذلك نتيجة نقص الغذاء أو سوء التغذية والذي ربما يُعزى في بعض الأحيان إلى الاعتماد على الأغذية المعلبة والوجبات السريعة التي لا يوجد فيها توازن غذائي كاف.
.
و بين إدراك المخاطر المترتبة عن الإفراط في تناول الوجبات السريعة، يبقى البعض مضطرا لتناولها، والبعض الآخر مصرّا عليها، فالظاهرة تجذرت في معظم المجتمعات و باتت محاربتها أمرا ليس بالهين، إلا أن حملات التوعية و وسائل الإعلام بدأت تتخذ إجراءاتها للتقليل من حدتها، من خلال البرامج التي تبثها و تنشرها عن أهمية الطعام الطبيعي وضرورة التنويع في تناول الخضر و الفواكه، وكذا تساهم برامج الطبخ التي رفعت شعار "أطبخي وجبات المطاعم في منزلك في أقل وقت وجهد" في تعليم النساء طرق إعداد وتزيين كل ما لذّ وطاب في مطبخهن الخاص.

.

.

نشر في:
جريدة المشاهير الجزائرية الإلكترونية
جريدتك الإلكترونية